فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58)}
أخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: نزلت: {إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون} في ستة رهط من اليهود منهم ابن تابوت.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم} قال: قريظة يوم الخندق مالأوا على محمد صلى الله عليه وسلم أعداءه.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {فشرد بهم من خلفهم} قال: نكل بهم من بعدهم.
وأخرج ابن جريرعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {فشرد بهم من خلفهم} قال: نكل بهم من وراءهم.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {فشرد بهم من خلفهم} قال: نكل بهم الذين خلفهم.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {فشرد بهم من خلفهم} قال: أنذرهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {فشرد بهم من خلفهم} قال: اصنع بهم كما تصنع بهؤلاء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {لعلهم يذكرون} يقول: لعلهم يحذرون أن ينكثوا فيصنع بهم مثل ذلك.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن شهاب رضي الله عنه قال: دخل جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قد وضعت السلاح وما زلنا في طلب القوم فاخرج فان الله قد أذن لك في قريظة، وأنزل فيهم {وإما تخافن من قوم خيانة} الآية.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وإما تخافن من قوم خيانة} قال: قريظة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {وإما تخافن من قوم خيانة...} الآية. قال: من عاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إن خفت أن يختانوك ويغدروا فتأتيهم فانبذ إليهم على سواء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن علي بن الحسين رضي الله عنه قال: لا تقاتل عدوّك حتى تنبذ إليهم على سواء {إن الله لا يحب الخائنين}.
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في شعب الايمان عن سليم بن عامر رضي الله عنه قال: كان بين معاوية وبين الروم عهد، وكان يسير حتى يكون قريبًا من أرضهم، فإذا انقضت المدة أغار عليهم، فجاءه عمرو بن عبسة فقال: الله أكبر وفاء لا غدر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة ولا يحلها حتى ينقضي أمرها أو ينبذ إليهم على سواء» قال: فرجع معاوية بالجيوش.
وأخرج البيهقي في شعب الايمان عن ميمون بن مهران رضي الله عنه قال: ثلاثة المسلم والكافر فيهن سواء. من عاهدته فوفى بعهده مسلمًا كان أو كافرًا فإنما العهد لله، ومن كانت بينك وبينه رحم فصلها مسلمًا كان أو كافرًا، ومن ائتمنك على أمانة فأدها إليه مسلمًا كان أو كافرًا. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فانبذ إِلَيْهِمْ على سَوَاءٍ}.
مفعول انبذ محذوف، أي: انبذ إليهم عهودهم، أي: اطرحها، ولا تكترث بها و{عَلَى سواءٍ} حال إمَّا من الفاعل، أي انبذها، وأنت على طريقٍ قصدٍ، أي: كائنًا على عدل، فلا تَبْغتهُمْ بالقتالِ بل أعلمهم به، وإمَّا من الفاعل والمفعول معًا، أي: كائنين على استواء في العلم، أو في العداوةِ.
وقرأ العامَّةُ بفتح السِّين، وزيد بن علي بكسرها، وهي لغة تقدم التنبيه عليها أول البقرة.
وقوله: {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الخائنين} هذه الجملة يحتمل أن تكون تعليلًا معنويًا للأمر بنبذ العهد على عدل، وهو إعلامهم، وأن تكون مستأنفة، سيقت لذمِّ من خان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونقض عهده. اهـ. باختصار.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58)}
يريد إذا تحقَّقْتَ بخيانة قوم منهم فَصَرِّح بأنه لا عهدَ بينك وبينهم، فإذا حصلت الخيانةُ زال سَمَتُ الأمانة، وخيانةُ كلِّ أحدٍ على ما يليق بحاله، ومَنْ ضَنَّ بميسورٍ له فقد خانَ في عهده، وزاغ عن جده، وعقوبته مُعَجَّلة، فهو لا يحبُّه الله، وتكون عقوبته بإذلاله وإهانته. اهـ.

.تفسير الآية رقم (59):

قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان نبذ العهد مظنة الخوف من تكثير العدو وإيقاظه، وكان الإيقاع أولى بالخوف، أتبع سبحانه ذلك ما يجري عليه ويسلي عن فوت من هرب من الكفار في غزوة بدر فلم يقتل ولم يؤسر فقال: {ولا يحسبن} بالياء غيبًا على قراءة ابن عامر وحمزة وحفص، أي أحد من أتباعك في وقت من الأوقات، ووجه قراءة الباقين بالخطاب أن أمر الرئيس ونهيه أوقع في نفوس الأتباع وأدعى لهم إلى السماع {الذين كفروا} أي عامة من نبذ ومن لم ينبذ {سبقوا} أي وقع لهم السبق، وهو الظفر في وقت ما، فإنهم لم يفوتوا شيئًا من أوامرنا؛ ثم علل ذلك بقوله: {إنهم لا يعجزون} أي لا يفوتون شيئًا مما يزيد تسليطه عليهم، أي لا يغرنك علوهم وكثرتهم وجرى كثير من الأمور على مرادهم فكل ذلك بتدبيرنا، ولا يخرج شيء عن مرادنا، ولابد أن نهلكهم فإنهم في قبضتنا، لم يخرجوا منها ولا يخرجون فضلًا عن أن يفوتوها فاصبر. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59)} في الآية مسائل:

.المسألة الأولى: [في معنى الآية]:

اعلم أنه تعالى لما بين ما يفعل الرسول في حق من يجده في الحرب ويتمكن منه وذكر أيضًا ما يجب أن يفعله فيمن ظهر منه نقض العهد، بين أيضًا حال من وفاته في يوم بدر وغيره، لئلا يبقى حسرة في قلبه فقد كان فيهم من بلغ في أذية الرسول عليه الصلاة والسلام مبلغًا عظيمًا فقال: {لاَ تَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُواْ سَبَقُواْ} والمعنى: أنهم لما سبقوا فقد فاتوك ولم تقدر على إنزال ما يستحقونه بهم، ثم هاهنا قولان: الأول: أن المراد ولا تحسبن أنهم انفلتوا منك، فإن الله يظفرك بعيرهم.
والثاني: لا تحسبن أنهم لما تخلصوا من الأسر والقتل أنهم قد تخلصوا من عقاب الله ومن عذاب الآخرة {إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ} أي أنهم بهذا السبق لا يعجزون الله من الانتقام منهم والمقصود تسلية الرسول فيمن فاته ولم يتمكن من التشفي والانتقام منه.

.المسألة الثانية: [في قراءة {لا يحسبن}]:

قرأ ابن عامر وحفص عن عاصم {لا يحسبن} بالياء المنقطة من تحت، وفي تصحيحه ثلاثة أوجه: الأول: قال الزجاج: ولا يحسبن الذين كفروا أن يسبقونا، لأنها في حرف ابن مسعود أنهم سبقونا فإذا كان الأمر كذلك فهي بمنزلة قولك حسبت أن أقوم، وحسبت أقوم وحذف أن كثير في القرآن قال تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ الله تَأْمُرُونّى أَعْبُدُ} والمعنى: أن أعبد.
الثاني: أن نضمر فاعلًا للحسبان ونجعل الذين كفروا المفعول الأول، والتقدير: ولا يحسبن أحد الذين كفروا.
والثالث: قال أبو علي: ويجوز أيضًا أن يضمر المفعول الأول، والتقدير: ولا يحسبن الذين كفروا أنفسهم سبقوا أو إياهم سبقوا، وأما أكثر القراء فقرؤا {وَلاَ تَحْسَبَنَّ} بالتاء المنقطة من فوق على مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم والذين كفروا المفعول الأول وسبقوا المفعول الثاني وموضعه نصب والمعنى: ولا تحسبن الذين كفروا سابقين.

.المسألة الثالثة: [في همزة إن في قوله: {إِنَّهُمْ لا}]:

أكثر القراء على كسر {إن} في قوله: {إِنَّهُمْ لا} وهو الوجه لأنه ابتداء كلام غير متصل بالأول كقوله: {الكاذبين أَمْ حَسِبَ الذين يَعْمَلُونَ السيئات أَن يَسْبِقُونَا} وتم الكلام ثم قال: {سَاء مَا يَحْكُمُونَ} فكما أن قوله: {سَاء مَا يَحْكُمُونَ} منقطع من الجملة التي قبلها، كذلك قوله: {إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ} وقرأ ابن عامر {أَنَّهُمْ} بفتح الألف، وجعله متعلقًا بالجملة الأولى، وفيه وجهان: الأول: التقدير لا تحسبنهم سبقوا، لأنهم لا يفوتون فهم يجزون على كفرهم.
الثاني: قال أبو عبيد: يجعل {لا} صلة، والتقدير: لا تحسبن أنهم يعجزون. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُواْ} يعني لا يظنن الذين كفروا من العرب وغيرهم من الذين جحدوا بوحدانية الله تعالى: {سَبَقُواْ}، يعني فاتوا بأعمالهم الخبيثة {إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ}، يقول لن يفوتوا الله تعالى حتى يعاقبهم، ويقال: لا يجحدون الله تعالى عاجزًا عن عقوبتهم.
قرأ ابن عامر وحمزة وعاصم في رواية حفص: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ} بالياء على وجه المغايبة ونصب السين، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر {وَلاَ تَحْسَبَنَّ} بالتاء على وجه المخاطبة ونصب السين، وقرأ الباقون على وجه المخاطبة وكسر السين، وقرأ ابن عامر {أَنَّهُمْ} بالنصب على معنى البناء، وقرأ الباقون بالكسر على معنى الابتداء.
فمن قرأ بالنصب، معناه لأنهم لا يعجزون، يعني لا يفوتون.
وقرأ بعضهم بكسر النون {لاَ يُعْجِزُونَ} يعني لا يعجزونني؛ وهي قراءة شاذة. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَلاَ يَحْسَبَنَّ}
قرأ أبو جعفر، وابن عامر بالباء على معنى لاتحسبن الذين كفروا انهم أنفسهم سابقين فائتين من عذابنا، وقرأ الباقون بالتاء على الخطاب {الذين كَفَرُواْ سبقوا إِنَّهُمْ} قرأ العامة بالكسر على الابتداء، وقرأ أهل الشام وفارس بالفتح ويكون لا صلة، تقديره: ولا تحسبن الذين كفروا أن سبقوا أنّهم يعجزون أي يفوتون. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {ولا يحسبنَّ الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون}
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم والكسائي {ولا تحسِبن} بالتاء مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وبكسر السين غير عاصم فإنه فتحها، و{الذين كفروا} مفعول أول، و{سبقوا} مفعول ثان، والمعنى فأتوا بأنفسهم وأنجوها {إنهم لا يعجزون} بكسر ألف {إن} على القطع والابتداء، و{يعجزون} معناه مفلتون ويعجزون طالبهم، فهو معدى عجز بالهمزة تقول عجز زيد وأعجزه غيره وعجزه أيضًا، قال سويد: [الوافر]